يُعدّ توليد الرؤى من البيانات وتبسيط العلم الذي تقوم عليه أمرًا في غاية الأهمية، لكنه، في الوقت نفسه، يشكّل تحديًا عند التخطيط لبناء المدن الذكية. وانطلاقًا من هذه الفكرة، حوّلت بيانات دبي الذكية تركيزها عن مجال علوم البيانات نفسه ووجّهته نحو البيئة المؤثرة بالبيانات وعمليات المعالجة الداعمة لها. ونهدف من ذلك إلى تطوير الوظيفة الأساسية لعلم البيانات بالاستعانة بمجموعةٍ واسعة من المختصّين المؤهّلين والأكفاء، وذلك لزيادة فرصنا في تحويل المشكلات المتعلّقة بالسياسات ومتطلبات الأعمال إلى أداة فاعلة لتحليل البيانات وبناء التطبيقات البرمجية.

يُلخِّص هذا المقال أربعة عناصر مرتبطة ببعضها، وتوفّر بيئةً تشغيلية أكثر تطوّرًا وتنشر ثقافة علم البيانات بصورةٍ أقوى:

  • الفرق عالية الأداء
  • تقديم حالات استخدام واضحة
  • تطبيق عمليات معالجة فعّالة
  • تدعمها بيئة تشغيلية متطوّرة

1) الفرق عالية الأداء

يتّسم علم البيانات بطابعٍ بشريٍ وتعاونيٍ لا يمكن تجاهله. لذلك نركّز على توظيف فرق تتمتّع بالكفاءة وتتوزّع فيها الأدوار والمهام بطريقة واضحة وتلتزم التزامًا تامًا بالتواصل الفعّال ما بينها.  ومع أن النقاشات حول كيفية تحديد الخبرات والمهارات اللازمة لتنفيذ مشاريع علم البيانات ستظّل مستمرّة،  إلا أننا نؤمن بضرورة وجود الأدوار الأساسية التالية: مهندس بيانات، عالم بيانات، محلّل بيانات، خبير في التمثيل المرئي للبيانات، ومصمّم واجهة وتجربة المستخدم، والذين تتفاوت مساهماتهم حسب اختلاف أنواع المشاريع، والتي دائمًا ما تفشل من دونهم. 

سنحتاج قبل أي شيء إلى مدير منتجات أو مشاريع (بما أننا لا زلنا في مرحلة تطوير الأفكار) يملك فهمًا غريزيًا لاحتياجات أصحاب الأعمال وطريقة تفكيرهم، ولديه خبرةً فنيةً كافية تمكنّه من الربط بين هذه المعطيات مع متطلبات البيانات وتتيح له التعاون مع عالم البيانات بفاعلية.

2) حالات الاستخدام الواضحة

تُشكّل حالات الاستخدام الواضحة عنصرًا محوريًا في نجاح جميع مشاريع علم البيانات؛ حيث أن فهم علم البيانات يجب أن يكون موجّهًا نحو استقطاب الفرص شديدة التأثير ، والتي تحقّق النمو والازدهار وتجلب السعادة لمواطني دبي. وقد وضعنا أول مجموعة من حالات الاستخدام وفقًا لأولويات القيادة في المدينة (مثل وثيقة الخمسين).  وتتكوّن كل حالة استخدام من أكثر من بيان دقيق خاص بالتحديات، ووصف للحل المقترح، إلى جانب تفصيل التكاليف والمنافع وتقييم مدى توفر البيانات وجودتها. وسيكون لكل حالة استخدام دورًا واحدًا على الأقل من الدورين التاليين:

  • توفير رؤى تنبؤية لقادة دبي - بحيث نستبدل خصائص التنبؤ والتخصيص والتحسين بالقدرات الوظيفية.
  • توفير معلومات قابلة للتفسير بدلاً من البيانات - إذ تحتاج قيادة المدينة إلى رؤى ومعلومات عالية الجودة، وليس إلى بيانات مجرّدة وغير معالَجة، وذلك لتعزيز عملية صنع القرار التي تتبعها.

3) عمليات معالجة فعّالة

تُعرَّف بالعمليات التي تتّسم بالمرونة، أي أنها لا تتبع منهجيات خطية ثابتة ومقيّدة، ولا بدّ من تنظيم البيانات للحدّ من تشتّت عالم البيانات عن المسار الصحيح. غير أن الأهم من ذلك هو أن النهج المرن يتطلّب منا أن نراجع ونقيّم ونعيد تنظيم خططنا مع مراعاة المخرجات التي نطمح لتحقيقها. وعليه، فقد وضعنا خمس مراحل أساسية لتنفيذ مشاريع بيانات دبي الذكية.

مرحلة الاستكشاف، وتتمثّل بالجهد الكبير المبذول لبناء حالات استخدام قائمة على الأدلة والبراهين، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالسياسة العامة أو التحديات التي تواجه الخدمات المقدّمة داخل المدينة (يُرجى الاطلاع على الجزء الثاني أعلاه).  تُولّد هذه المرحلة منظورًا حقيقيًا لعلم البيانات والمرتبط بالاحتياجات وبالمتطلبات الحقيقة للأعمال، وغالبًا ما يمثّل عنصراً أساسيًا في المنهجيات بما فيها التفكير التصميمي على سبيل المثال. 

يجب أن تبدأ مرحلة إدارة المشروع في أسرع وقت ممكن، فقد وجدنا أن الوقت المخصّص في المراحل الأولى من المشروع للتعرّف على ذوي العلاقة، وتحضير خطّة مشروع مفصّلة لإدارة المخاطر وجمع المعلومات غير المتاحة، يوفّر الوقت والجهد لاحقًا في المراحل المتقدّمة من المشروع، كما أنها المرحلة التي نقسّم فيها المشروع إلى فترات زمنية محدّدة لأداء مهام معيّنة ومراجعتها.

نُدرك جيدًا أن خطوة الحصول على البيانات الصحيحة (الخصائص) من الجهة المعنية واستخدامها بالصيغة المناسبة، تعد من أكثر العناصر التي عادةً ما يُستهان بها في مشاريع علم البيانات. لذلك نولي في دبي الذكية اهتمامًا كبيرًا لمرحلة جمع البيانات ونمذجتها، والتي يقوم خلالها المحلّل والمهندس بتنقيح البيانات وتحويلها وتنظيمها لاستخدامها في بناء الخوارزميات التي ستستخرج النماذج منها، فتكون أساسًا لتشفير هذه النماذج  في نهاية المطاف.

ونعمل خلال مرحلة التصميم والتطوير على تكرار خطوتي التصميم والتطوير لبناء أول منتج يتمتّع بالحد الأدنى من مقوّمات النجاح، والذي يُطوَّر من أجل صاحب المشروع ويُقدّم إليه بهدف استطلاع آراء المستخدم عن المنتج، إلى جانب إجراء المزيد من الاختبارات وخطوات التطوير المتكرّرة اللازمة للحصول على المنتج النهائي واتخاذ القرار بشأن إطلاقه.

أما مرحلة الإطلاق فتبدأ عند طرح النماذج أو البرمجيات في بيئة العمل مع إجراء التقييمات الأمنية الضرورية وغيرها من المهام المتعلّقة بدمج البيانات وتكاملها. وإذا طُبقّت جميع هذه المراحل على أفضل وجه، نحقّق عندها هدفنا المتمثّل بتنفيذ مشروع علم بيانات فعّال وذي قيمة. 

4) بيئة تشغيلية متطوّرة

تُمثّل البيئة التشغيلية المتكاملة - أي البنية التحتية وأدوات العمل المشترك (بما يشمل الأدوات المفضّلة لدينا حاليًا وهي Asana وSlack)، إلى جانب ‘المساحة المكتبية‘ نفسها - الركيزة الأساسية التي تُمكّننا من تنفيذ مشاريع علوم البيانات بصورةٍ مستدامة. ونظرًا للتعقيد الذي تتّسم به البنية التحتية الخاصة بدبي الذكية واستخدامها لأنواع مختلفة من البرمجيات والأجهزة، بالإضافة إلى مجموعات البيانات التي تردها من عدّة جهات، نسعى لإيجاد قنوات تفاعلية سلسة بين دبي الذكية وجميع شركائها المعنيين في عمليات علوم البيانات، كما نبحث حاليًا عن الأدوات واللغات مفتوحة المصدر والمنتجات التجارية لنوظّف أنجح أدوات ومنتجات وهياكل علوم البيانات وأكثرها فائدة في موقع المشروع لتطوير حالات الاستخدام.

المرحلة المقبلة

تخطّط بيانات دبي الذكية للعمل بطريقة قيادية ملهمة قائمة على التعلّم الجماعي. ولتوضيح أثر علم البيانات، تعمل دبي الذكية على حالَتيْ استخدام أوليتين، تهدف الأولى إلى مساعدة أصحاب الأعمال في اتخاذ القرارات المهمّة المتعلّقة بأعمالهم، كاختيار الموقع المناسب لتأسيس شركاتهم، فيما ستستعين الحالة الثانية بنماذج التعلّم الآلي للتنبؤ بالمهارات المستقبلية المطلوبة لشغل الوظائف المتوقّعة في المجال التقني. ويجدر بنا التأكيد على النقطة الجوهرية لهذه التدوينة، وهي أن مشاريع علوم البيانات تتعلق أولاً وقبل كل شيء بالبشر، الذين يعملون بصورة جماعية مشتركة لتنفيذ مشاريع علوم البيانات التي تُعنى بالمشاكل التي تمسّ دبي بشتّى أشكالها، ما يمكّن بيانات دبي الذكية من تبسيط علوم البيانات وتشجيع تبنّيها واستخدامها على نطاق أوسع في مختلف أنحاء مدينتنا. 

ترقّبوا المزيد من المدونات التي نوضّح فيها طريقة تطوُّر حالات الاستخدام نفسها ونهجنا العام في تنفيذ المشاريع، مع عرض بيانات (تقنية) مفصّلة بهذا الشأن.