قد تكون رمال الصحراء، في نظر كثيرين حول العالم، مجرّد مساحات ممتدة من الرمال والبيئة القاسية التي يصعب تطويعها وبناؤها. وقد كان هذا صحيحاً إلى أن تمكّنا في دولة الإمارات من تقديم مثال واقعي للعلاقة بين الإرادة والصحراء، وما ينتج عن الجمع بينهما، فكان بإمكاننا أن ننظر إلى الصحراء على أنّها مجرّد عنصر طبيعي لا يحمل الكثير من الفرص، لكننا منحناها معنى مختلفاً اجتماعياً واقتصادياً وحضارياً.

وموقفنا يُشبه جانباً من أسلوب تعامل الدول والمؤسسات مع البيانات، فبعضها لايزال يُراكِم البيانات «صحراء بلا معنى»، والفريق الآخر، ونحن في مقدمتهم، رأى في البيانات ثروة للمستقبل، وبيئة خصبة للانتقال بالأداء والفعالية إلى مستوى مختلف تماماً.


لحظات البيانات هذا الأسبوع خطرت في ذهني وأنا أراقب سلوك ابني ناصر في رحلة البرّ الأخيرة، وتعلّقه برحلات البرّ، على الرغم من صغر سنّه، فعاد بي ذلك إلى حقيقة مهمة، وهي أننا نُعطي لمحيطنا معناه، والدور الذي يحتلّه في حياتنا، فسلوك ناصر نموذج نواة للمعنى الذي أعطيناه للصحراء في حياتنا، والذي يمكن أن تُعطيه أي مدينة للبيانات.

غزارة رمال الصحراء تُشبه وفرة البيانات، حيث يتوقّع المنتدى الاقتصادي العالمي أن يصل إنتاج البيانات يومياً إلى 463 إكسابايت (أي ما يعادل 212 مليوناً و765 ألفاً و957 أسطوانة «دي في دي» بحلول عام 2025)، وهناك العديد من الإحصاءات التي لا تقل عن هذا الرقم، وهو رقم ضخم لو فكّرنا فيه لكان غزارة في الثروة الرقمية في الوقت ذاته، ومخزون لا ينضب من نفط المستقبل.

ولاستثمار هذه الثروة، جعلنا الدعامة الرابعة من نموذج بيانات دبي هي (الاندماج والتفاعل حول منظومة البيانات من جميع الأطراف). وجاء تحقيق ذلك عبر «مختبر البيانات»، ومبادرات مثل «تحدي البيانات أوّلاً». وتنبع أهمية «مختبر البيانات» في أنه يعطي البيانات معنى بناء على تعاون الجميع في حكومة دبي، وحتى القطاع الخاص، لإيجاد حالات استخدام للبيانات لم تكن موجودة يوماً، وتولد نتيجة احتياج فعلي سيجعل حياة الناس أكثر سهولة مستقبلاً.

القرار بيد المدن ومؤسساتها، فيمكن أن تبقى البيانات «صحراء بلا معنى»، أو أن تكون رحلة كلّها إنجازات غير مسبوقة للتنقيب عن ثروة المستقبل.